بسم الله الرحمن الرحيم
نهاية طريق الشهوة
إن التعلق بالشهوات واستيلائها على القلب من أكبر أسباب سوء الخاتمة، فما من أحد إلا وفي خاطره همٌّ يجوس به، يملك عليه مشاعره، فهذا همه الأصغر والأكبر الدينار والدرهم، وذاك همه الشهوات ومتعة النفس، وحين يحل بالإنسان الموت؛ يتذكر ويبدو له ما كان يستولي على همه، وهذا معلوم لأن من عاش على شيء مات عليه.
يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: (فمن كان مشغولًا بالله وبذكره ومحبته في حال حياته؛ وجد ذلك أحوج ما هو إليه عند خروج روحه إلى الله، ومن كان مشغولًا بغيره في حال حياته وصحته؛ فيعسر عليه اشتغاله بالله وحضوره معه عند الموت، ما لم تدركه عناية ربه.
ولأجل هذا كان جديراً بالعاقل أن يلزم قلبه ولسانه ذكر الله حيثما كان، لأجل تلك اللحظة التي إن فاتت؛ شقي شقاوة الأبد، فنسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته).
ويقول أيضًا: (وإذا كان العبد في حال حضور ذهنه وقوته وكمال إدراكه، قد تمكن منه الشيطان، واستعمله بما يريده من معاصي الله، وقد أغفل قلبه عن ذكر الله، وعطَّل لسانه من ذكره وجوارحه عن طاعته؛ فكيف الظن به عند سقوط قواه واشتغال قلبه ونفسه بما هو فيه من ألم النزع، وجمع الشيطان له كل قوته وهمته وحشده عليه بجميع ما يقدر عليه؛ لينال منه فرصته؟! فإن ذلك آخر العمل، فأقوى ما يكون عليه شيطانه ذلك الوقت، وأضعف ما يكون هو في تلك الحالة؟! فمن ترى يسلم على ذلك؟! ).
وإليك عزيزي الشاب، نماذج محزنة لمن قادتهم شهواتهم إلى سوء الخاتمة والعياذ بالله:
يُروى أن رجلًا عشق شابًا واشتد كلفه به، وتمكن حبه من قلبه حتى مرض ولزم الفراش بسببه، وتمنع ذلك الشخص عليه واشتد نفاره عنه، فلم تزل الوسائط يمشون بينهما حتى وعده بأن يعوده فأخبره بذلك الناس؛ ففرح واشتد فرحه وانجلى غمه، وجعل ينتظره للميعاد الذي ضرب له، فبينما هو كذلك إذ جاءه الساعي بينهما، فقال: إنه وصل معي بعض الطريق ورجع، فلما سمع البائس؛ أُسقط في يده وعاد إلى أشد مما كان به، وبدت عليه علامات الموت فجعل يقول في تلك الحال:
أسلم يا راحة القلب العليل ***رضاك أشهى إلى فـؤادي
ويا شفاء المدنف النحيل***من رحمة الخالق الجليل
فقيل له: يا فلان، اتق الله! فقال: قد كان، فما أن جاوز باب داره حتى سمع صيحة الموت.
وآخر كان واقفًا إزاء داره، فمرت به جارية لها منظر فقالت: أين الطريق إلى حمام منجاب؟ فقال: هذا حمام منجاب، فدخلت الدار ودخل وراءها، فلما علمت بالأمر أظهرت له البشرى والفرح، وقالت: يصلح أن يكون معنا ما يطيب به عيشنا وتقر به عيوننا، فخرج وتركها في الدار ولم يغلقها، فأخذ ما يصلح ورجع فوجدها قد خرجت وذهبت، فهام الرجل وأكثر الذكر لها، وجعل يمشي في الطريق وهو يقول:
يا رب قائلة يومًا وقد تعبت*** كيف الطريق إلى حمام منجاب
فبينما هو يومًا يقول ذلك، أجابته جارية من طاق:
هلا جعلت سريعًا إذ ظفرت بها *** حرزًا على الدار أو قفلًا على البابِ
فازداد هيمانه بها، حتى حضرته الوفاة، فكان آخر كلامه من الدنيا هذا البيت ولم ينطق بالشهادة.
وذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في حوادث سنة ثمان وسبعين ومائتين ما يلي: (وفيها توفي عبده بن عبد الرحيم -قبحه الله- ذكر ابن الجوزي أن هذا الشقي كان من المجاهدين كثيرًا في بلاد الروم.
فلما كان في بعض الغزوات، والمسلمون يحاصرون بلدة من بلاد الروم، إذ نظر إلى امرأة من نساء الروم في ذلك الحصن، فهويها، فراسلها: ما السبيل إلى الوصول إليكِ؟ فقالت: أن تتنصر وتصعد إليَّ، فأجابها إلى ذلك.
فما راع المسلمين إلا وهو عندها، فاغتم المسلمون بسبب ذلك غمًا شديدًا، وشق عليهم مشقة عظيمة، فلما كان بعد مدة مروا عليه وهو مع تلك المرأة في ذلك الحصن، فقالوا: يا فلان ما فعل قرآنك؟ ما فعل علمك؟ ما فعل صيامك؟ ما فعل جهادك؟ ما فعلت صلاتك؟ فقال:
اعلموا أني أُنسيت القرآنَ كله إلا قوله:
{رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3)}[الحجر: 2-3].
وقد صار لي فيهم مال وولد).
هذه عزيزي الشاب، نتيجة اتباع الشهوات والانسياق وراءها بلا ضابط، نسأل الله لنا ولك العافية وحسن الخاتمة.
*- ضعف الثقة بالنفس:
وهذا نلمسه في الكثير من الشباب أسارى الشهوات، وخاصة من ممارسي العادة السرية، التي لها أثر عجيب في القضاء على الثقة بالنفس، وهذا ليس بعجيب؛ فالانغماس في الشهوة يدمر نفسية الشاب؛ لأنه يظهره دائمًا بمظهر الضعيف أمام نزواته التي لا يستطيع أن يتحكم فيها.
خاصة عندما يقارن نفسه بأشخاص في دائرة معرفته لا يلقون بالًا لهذه المشكلة؛ فيرى أنه شخص ضعيف بالمقارنة بأمثال هؤلاء، وتكون المصيبة أعظم إذا كان الشاب من الملتزمين أو من الدعاة؛ فعندها يشعر بالنفاق لأنه ينهى الناس عن أمر ويأتيه هو، وكما يقول الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم
ولعل إضعاف ثقتك بنفسك؛ هو ما يريده منك الشيطان أن تشعر به؛ لأنك بذلك لن تقوى على محاربته، وستكون الغلبة له ولحزبه، فانتبه لما يريد أن يوقعك فيه الشيطان.
قد هيئوك لأمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
هذا بالإضافة إلى الذل الذي تورثه المعصية، والذي يؤدي إلى إضعاف الثقة بالنفس، كما يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: (إن المعصية تورث الذل ولا بد، فإن العز كل العز في طاعة الله - تعالى -، قال - سبحانه -: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر: 10].
أي: فليطلبها بطاعة الله؛ فإنه لا يجدها إلا في طاعته، قال الحسن البصري: (إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين؛ فإن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه).
وقال عبد الله بن المبارك:
رأيتُ الذُّنوبَ تميتُ القلوبَ*** وتَركُ الذُّنوبِ حياةُ القلوبِ
وقدْ يُورِثُ الذُّلَّ إدمانُها *** وخيرٌ لنفسِكَ عصيانُها
وأخيرًا، عزيزي الشاب:
1- انتشار الزنا والزواج العرفي.
2- الأمراض الجنسية.
3- زيادة الشهوة.
4- الحرمان من المتعة الحلال.
5- ضعف الصلة بالله - عز وجل -.
6- سوء الخاتمة.
7- ضعف الثقة بالنفس.
هذه هي نهاية طريق الشهوة؛ فهل يستحق الأمر منك كل هذه المعاناة؟
===============================================